السبت، 13 ديسمبر 2014

إليك جامعتي ... أهديك خواطري

إليك جامعتي ... أهديك خواطري
انتفضت أطرافي وهاجت ذكرياتي وامتلأ قلبي شوقا إلى تلك الأيام .
رغم أنها لم تكن إلا أيام رعب وخوف ، أقصد أيام القصف والتدمير ، أيام العدوان المتواصل والحرب الطاحنة ، صوت المروحيات تجوب السماء ، تخترق حجاب الصمت ، فلا يكون بعدها إلا هتافات التكبير ، فكأن الأرض ماجت ولجت ، وكأنها أنكرت من فيها وتخلت ، فانكشف عنها سحب الغمام وأصابها بلهب من النار والدخان ، لا بل بقطر من الرذاذ المتطاير كأنه الضباب المتناثر على صفحات السحاب.
أقف عندها على أطلال النوافذ المتكسرة والأبواب المدمرة والجدران المتطايرة على أعتاب الطريق .
أتذكر عندها لحظات العناء فيطير الطيف إلى ذكريات الشوق ، إلى أيام الدراسة وعناء انقطاع التيار الكهربي .
لم يكن الأمر بالنسبة لي كما هو لغيري ، إذ لم تكن الكهرباء للبعض إلا لمجرد الجلوس في مكان مضيء ، ولم تكن لغيرهم إلا لمجرد تلطيف الأجواء الحارة بتلك المراوح التي يعلوها الصدأ.
وكانت لكثير من غير هؤلاء وهؤلاء ليس إلا للجزيرة والعربية من دون الفضائيات يسعون بينها سعي الصفا والمروة ، يرقبون الشريط الأحمر، دوي الخطر ... الخبر العاجل.
كان الأمر على غير ذلك عندي ، إذ كانت  الكهرباء بالنسبة لي الوقود الذي يفجر الأفكار والخواطر الكامنة بين ثنايا الخيال الواسع.
كانت على قدر ذلك عند بعض رفقتي ، وعلى غير ذلك عند الذين وجدوا الأمر مخرجا لتبرير الوقت الضائع بحجة الأجهزة اللعينة التي تخفي بين ثناياها المشاريع الضخمة ، أقصد الملفات المفقودة.
كان ذلك متزامنا مع مشروع شاركت فيه ضمن مسابقة عالمية في مجال التصميم المعماري، و كان قد ألقي على عاتقي ما أسميته بالفصل الدراسي الدسم ، إذ تداعت فيه المشاريع الهندسية والأبحاث والتقارير التي تحتاج الساعات الطوال على الأجهزة المحوسبة ، والتي تقف عاجزة حتى تباركها السويعات القليلة من نبضات الكهرباء.      
تثاقلت على كاهلي الصعاب ، خبت عندها الطاقات وتباطأت معها الخطوات حتى ما عاد يحملني على المسير إلا ذكريات الأمل وشوق الوصول إلى سراب أجد فيه واحة أستظل بظلها أو أرتوي من غبوقها.
كنت أرجو ذلك وما كان ، بل ازداد الأمر سوءا والليل سوادا حتى فشت الشائعات فكان السوار بالمعصم ، وأطبقت الأبواب كلها، فلا باب الشام ولا باب مصر، وكان يومها عام تأخر فيه القطر، ونضب فيه ماء القدر، واختفى فيه أثر البدر، وأغلقت الأبواب كلها حتى يئس الناس من طلوع الفجر.
ولقد كان فجر وليته ما كان ، فجر رفعت فيه السيوف وعلا أزيز الرصاص ودكت فيه المنازل ، منازل الأشقاء من أبناء التيارات الفكرية والفصائل المتناحرة.
أذكر ذلك اليوم ، يوم الجمعة أصوات القنابل والمدافع من غسق الليل حتى صارت الشمس في كبد السماء.
بعدها كان الصمت الرهيب ،  إذ علا المآذن دخان كثيب، وانبرت فيه أصوات الأئمة ، وتنكرت الأرض فكأنها لهولها اضطربت ، وقد أظلها سواد عظيم.
أحرقت المكتبة المركزية والقاعات الدراسية والمختبرات العلمية ومبنى إدارة الجامعة الإسلامية حتى ذرفت فيها عيون المحبين ، وبكت لأجلها قلوب العلماء والمخلصين ، وركعت فيها المآذن تشكو إلى الله كيد الكائدين وترفع إليه بأكف الضراعة حقدهم الدفين .
فكأنها الأطلال بعدما هجرها أهلها ، أو كأنها الجنة بعدما أصابها إعصار فيه نار فاحترقت .
انتبهت حولي بينما انقطعت ذكرياتي بصوت النشيد .."لبيك جامعتي".
وقد اغرورقت عيناي بماء من قرة أدمعي ، وبكيت فرحا حتى ابتلت منها لحيتي ، وتناثر النور في عيني وجفنتي.
ورفعت رأسي إلى السماء مناجيا.... ونثرت قصيدتي.
لبيك جامعتي ، إليك هديتي ، إليك خواطري. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق